مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ رِزْقُهُ
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
"مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ رِزْقُهُ أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ".
هذا الحديث وهو من الوصايا الجامعة لخيري الدنيا والآخرة.
أن البسطة في الرزق: الاتساع الذي لا يحد بحد.
وإذا علمنا أن الرزق مقسوم ومحدود أدركنا – بالبديهة – أن البسط يكون بالبركة فيه، بحيث يتذوق المرزوق حلاوته، ويجد نفعه ظاهراً لديه غير خافٍ وعليه، ويوفق لشكر الله تبارك وتعالى على ذلك، فينال بهذا البسط ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة.
هذا هو معنى البسط في الرزق فيما أرى. والله أعلم.
فقوله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –: "مَنْ سَرَّهُ" ترغيب في صلة الأرحام، وتبشير بثواب الله على ذلك في الدنيا بالبركة في الرزق والعمر، وثواب الله في الآخرة، وهو خير وأبقى.
فالنسأ هو التأخير، يقال: نسأ فلان فلاناً أي أخره.
والعمر سمي أثراً لأنه تابع للحياة في أثرها.
وقوله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – "فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ" أمر جامع لكل أنواع البر والإحسان فمن وصل رحمه كما أمر الله عز وجل فهو من خيار المؤمنين، وهو من أولي الألباب الذين فتح الله لهم أبواب المعرفة، وأمدهم بالحكمة؛ وذلك لأن صلة الأرحام تحتاج إلى خبرة وفطنة، وحكمة وصبر ومجاهدة، فإن الأقارب كثيراً ما يقابلون الحسنة بالسيئة ولا يرضون بما أوتوا مهما كان كثيراً، ولا يشكرون من أسدى إليهم معروفاً كما ينبغي أن يكون الشكر، إلا من عصمه الله من ذلك.
وعلى المسلم أن يصنع في أقاربه معروفاً ولا ينتظر منهم أن يقابلوا معروفه بمعروف مثله، ولا ينتظر منهم أيضاً أن يشكروه على ذلك وأن يعود نفسه على أن يحسن لمن أساء إليه، فمن أحسن لمن أساء إليه كان أعبد الناس.
إن المسلم في جهاد مستمر مع نفسه ومع الناس، وهذا الجهاد متنوع الجهات متعدد الأسباب، فليسأل الله عز وجل أن يهديه سواء السبيل، وأن يعينه على مواجهة الصعاب في معاشرة الناس بالمعروف، وتحمل ما يأتيه من قبلهم مع الرضا بقضائه وقدره، فإن من استعان بخالقه ومولاه أعانه وهداه، وثبته على الحق حتى يلقاه.