أَمَا كَانَ مَعَكُمْ لَهْوٌ
عَنْ عَائِشَةَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا – أَنَّهَا زَفَّتْ امْرَأَةً إِلَى رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"يَا عَائِشَةُ، مَا كَانَ مَعَكُمْ لَهْوٌ؟ فَإِنَّ الْأَنْصَارَ يُعْجِبُهُمْ اللَّهْوُ".
للناس عادات وتقاليد في التعبير عن أفراحهم، منها ما يقره الشرع ويرتضيه، ومنها ما لا يقره ولا يرتضيه، ومنها ما يقره بعد تعديله وإزالة ما فيه من العيوب الخُلقية أو الاجتماعية.
والإسلام كما نعلم دين الفطرة، لا يحجر عنها ما يوافقها ويحفظ حيويتها ومرونتها، ولكنه يزيل من طريقها ما يتعارض معها أو لا يتجاوب مع متطلباتها أو يؤثر على مسارها في الخليقة.
فالناس بخير ما ظلوا على فطرتهم التي فطرهم الله عليها، ولذلك سمي هذا الدين، دين الفطرة.
وقوله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –: "مَا كَانَ مَعَكُمْ لَهْوٌ" استفهام، الغرض منه: الحث والترغيب.
واللهو: هو الدف والغناء وقد سُمي لهواً لأن الناس يعبرون به عن سرورهم واستبشارهم بالخير القادم عليهم.
ويؤخذ من هذه الوصية فوق ما ذكرنا: أن الزواج نعمة من نعم الله الكبرى، وأن التعبير عنها بما هو مشروع يعد شكراً لله على هذه النعمة، وعلى المسلم أن ينوي ذلك؛ حتى يكون مأجوراً على ما يأتي به من الأفعال المعبرة عن السرور والاستبشار، فأنفاس المؤمن إن وهبها الله أحصاها الله إليه وأثابه عليها.
ويؤخذ منها: أن اللهو البريء في مثل هذه المناسبات من المستحبات، فمن قصر فيه، فقد حرم نفسه وحرم العروسين من التمتع بهذا اللهو المرخص فيه.
ولولا هذه المناسبات السارة التي يروح فيها الإنسان عن نفسه، لاختل توازنه النفسي والعقلي وضاق ذرعاً بهذه الحياة.
فليأخذ كل منا حذره من التزمت والتنطع، والقول بأن هذا حرام وهذا حلال بغير علم؛ فإن ذلك افتراءٌ على الله يجب الإقلاع عنه والتوبة منه.
إن التعبير عن السرور بالزواج بضرب الدفوف والأغاني البريئة يحدث ألفة بين الزوجين وبين أسرتيهما، وتبقى هذه الذكرى ماثلة في أذهانهم عمراً طويلاً ولاسيما الزوجان.
فهذا علاج نفسي من أمراض كثيرة ربما لا تزال إلا به، كالكبت والانطواء وعدم الثقة بالنفس ونحو ذلك من العقد النفسية التي قد يعجز الأطباء عن علاجها.