إِيَّاكُمْ وَكَثْرَةَ الْحَلِفِ فِي الْبَيْعِ
عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
"إِيَّاكُمْ وَكَثْرَةَ الْحَلِفِ فِي الْبَيْعِ، فَإِنَّهُ يُنَفِّقُ ثُمَّ يَمْحَقُ".
دأب التجار في الأسواق وغيرها على الحلف بأغلظ الإيمان لترويج بضائعهم، وإغراء الناس بشراء ما معهم بأثمان مرتفعة يحددونها بأنفسهم ويغالون فيها؛ بدافع من الطمع والجشع الذي عرفوا به وجبلوا عليه.
ويستخدمون في ذلك شتى الحيل، وهم لا يبالون بما يرتكبون من الكبائر التي تكون هي السبب في خسرانهم في الدنيا والآخرة.
ومن الكبائر التي يرتكبونها: الحلف بالله العظيم، وهو أمر منهي عنه إلا في حالة الاضطرار. كأن يتهم الإنسان في دينه أو في عرضه أو في أخذ مال من فلان وفلان فيأمره الحاكم بحلف اليمين، أو يرى أنه لا يخلصه من هذه التهمة إلا أن يحلف للمدعي أنه بريء.
ولما كان الحلف في التجارة يقع بكثرة بين البائعين والمشترين بقصد وبغير قصد – شدد النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – في النهي عنه، وحذر من مغبته وعاقبته، وبين أنه يمحق البركة ويذهب آثارها، فلا يكون الربح حلالاً ولا نافعاً، وتكون الخسارة أقرب إلى الحالف من شراك نعله، ويقع له من البؤس والحرمان ما لم يكن يتوقعه
فمن أصول التجارة: الصدق الدائم مع الله ومع الناس، بحيث لا يكون التاجر غشاشاً ولا مدلساً ولا مروجاً لبضاعته بالطرق الملتوية والحيل المقنعة.
والأمانة من الصدق بمنزلة الروح من الجسد، فلا صدق بلا أمانة ولا أمانة بلا صدق.
والتجارة – كما نعلم – سلاح ذو حدين، فإما أن يصدق البائع في بيعه وشرائه ويتحرى العدل ما أمكن في تجارته، ويراعي الأمانة في جميع أحواله فيفوز فوزاً عظيماً في دنياه وآخرته، وإما أن يغش ويدلس، ويغدر ويخون، ويكثر من الحلف على القليل والكثير، فيبوأ بالخسران المبين في الدنيا والآخرة.
واعلم – يا أخي – أن التجارة نوعان: تجارة مع الله، وتجارة مع الناس، فإياك أن تشتغل بالثانية وتنسى الأولى، بل كن ممن لا تلهيهم مطالب الدنيا عن مطالب الآخرة.