إِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا

إِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا

عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ– رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – أَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: 

"إِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لَا يَبْغِيَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ وَلَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ".

هذه وصية جامعة لخصال الخير كلها، أوحى الله بها إلى نبيه عليه الصلاة والسلام، وعمق جذورها في قلبه، وأجراها على لسانه في كثير من خطبه ومواعظه، وجعلها مفتاح شخصيته وديدنه في عباداته ومعاملاته، وفي شأنه كله مع الله، ومع نفسه، ومع الناس، فكانت – بحمد الله – من أفضل الوصايا التي تحلى بها المقربون من عباده، فسلكوا بها سبيل الوصول إلى أعلى درجات القرب والحب والرضا.

لأن التواضع ترجمة صادقة للعبودية الخالصة لله – عز وجل – فهو دليل قاطع على معرفة الإنسان بنفسه ومعرفة منزلته من خالقه.

وروح العبودية في تواضع العبد لخالقه ومولاه، بحيث لا يرى لنفسه فضلاً في طاعة ولا حقاً في ثواب، ولسان حاله يقول: يا رب، إن تثبني فبمحض فضلك، وإن تعذبني فبمحض عدلك.

وحين تسمو النفوس إلى سلم الكمال في العبودية تتجرد من حظوظ الدنيا، فلا تعبأ بما أقبل عليها من النعم وما أدبر عنها، ويكون مبلغ همها في رضا الله عز وجل.
والتواضع مع الناس هو المقصود في هذه الوصية؛ بدليل قوله عليه الصلاة والسلام: 

"حَتَّى لَا يَبْغِيَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ وَلَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ".

ولن يكون العبد موحداً إلا إذا كان متواضعاً لله عز وجل إذ كيف يشهد له بالوحدانية ثم يشاركه في أخص خصائصه، وهو الكبرياء.

أما التواضع المطلوب فهو التواضع الذي لا يؤدي إلى منقصة ولا مذلة، ولا يقدح في شرف الإنسان ولو بطريق غير مباشر، ولا يحمله على التكلف البغيض.

ولن يؤلف الله بين القلوب إلا إذا تواضع الناس فيما بينهم، وعرف كل امريء منهم حق أخيه عليه في السراء والضراء، والشدة والرخاء، وتركوا البغي والتكبر والتفاخر بالأنساب والأحساب، وجمعوا قلوبهم عليه، وتواضعوا جميعاً لعظمته.

فمن تواضع لله عز، ومن تواضع للناس ملك قلوبهم، ومن تكبر على الله سحقه ومسخه وانتقم منه شر انتقام، ومن تكبر على الناس ذل، فكان بينهم كالجمل الأجرب.