أتكلمني في حد من حدود الله؟
أمَّا ذلك الخطأ، فهو أكبر من أن يُتَهاون فيه، أو يُسكَت عنه؛ إنه يتعلَّق بحدٍّ من حدود الله!
قال عروة بن الزبير: إنَّ امرأة سرَقت في عهد رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في غزوة الفتح، ففزِع قومها إلى أسامة بن زيد يَستشفعونه، قال عروة: فلما كلَّمه أسامة فيها، تلوَّن وجه رسول الله، فلما كان العشيُّ، قام رسول الله خطيبًا، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال:
((أمَّا بعدُ، فإنما أهلَك الناس قبلكم أنهم كانوا إذا سرَق فيهم الشريف ترَكوه، وإذا سرق فيهم الضعيف، أقاموا عليه الحد، والذي نفس محمد بيده، لو أن فاطمة بنت محمد سرَقت، لقطَعت يدها)).
ثم أمر رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بتلك المرأة، فقُطِعت يدها.
فحَسُنت توبتها بعد ذلك وتزوَّجت، قالت عائشة: فكانت تأتيني بعد ذلك، فأرفع حاجتها إلى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم.
وهكذا يكون البناء التربوي للأمة، حين نرى العدل في إقامة شرع الله على القريب والبعيد على حدٍّ سواء، فالناس هنا أمام تشريع رباني لا يُفرق بين الناس، فهم كلهم أمام رب العالمين سواء، وأصبحت معايير الشرف هي الالتزام بأوامر الله تعالى، وفي هذا الموقف الذي أثار غضب رسول الله الشديد واهتمامه الكبير - عِبرة للمسلمين؛ حتى لا يتهاونوا في تنفيذ أحكام الله تعالى، أو يشفعوا لدى الحاكم، من أجل تعطيل الحدود الإسلامية.