هل السنة تناقض القرآن؟

هل السنة تناقض القرآن؟

ونحن نواجه هذه الشبهة – هنا – شبهة مخالفة السُّنَّة للقرآن نواجهها باعتبارين:

الأول: مواجهة الشبهة نفسها دون النظر إلى النماذج التطبيقية التي يذكرونها شواهد عليها. وهذه المواجهة سترجئها إلى نهاية الحديث عنها.

الثاني: مواجهة الشبهة بالنظر إلى النماذج التطبيقية عندهم واحداً واحداً. وهذا ما نبدأ به الآن، فنقول.

أن قولهم أن أحاديث رجم الزاني المحصن باطلة؛ لأنها جاءت مخالفة للقرآن. هذا القول لا يصدر إلا عن أحد رجلين:

رجل حسن النية، ولكنه جاهل بالقرآن والسنة، معاً ورجل سيء النية، سواء صحب سوء نيته جهل أو لم يصحبه جهل فهذه الأحاديث وما صاحبها من وقائع عملية لا مخالفة بينها وبين القرآن، إلا في أوهام الجهلة، والمعاندين.

تجريم الفساد:

فالقرآن الكريم يجرم الفساد والإفساد في الأرض في عدة مواضع: 

{ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ }

(سورة البقرة: 60).

وفي سورة الأعراف يقول: 

{ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا ...}

(سورة الأعراف: 56).

وفي سورة القصص يقول: 

{ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ...}

(سورة القصص: 77).

عقوبات المفسدين:

وما دام الفساد والإفساد في الحياة محرماً ومنهياً عنه كان من الحكمة وضع عقوبات دنيوية عاجلة، على أنواع من الفساد تضر بحياة الأفراد والجماعات. وفي هذا رود قوله تعالى في سورة المائدة: 

{ إِنَّمَا جَزَؤُاْ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِن خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ }

(آية: 33).

في هذه الآية الحكيمة وضع الله أربع عقوبات لجرائم الأخلال بالأمن العام والخاص وانتهاك الحرمات. وهي الجرائم التي يصدق عليها وصف محاربة الله ورسوله، والإفساد في الأرض.

الزنى محاربة وإفساد:

والزنى، من أبشع الجرائم الخلقية، المسقطة للمروءة والشرف. وقد اجمعت الرسالات السماوية على تأثيمه وزجر مقترفيه.

ونظرة خاطفة إلى سرد العقوبات الأربع التي وردت في آية "المائدة" تريك أن القرآن جعل العقوبة الأولى هي "التقتيل" وهو مأخوذ من الفعل: "أن يقتلوا".

فالزنى من أفحش أنواع الفساد والإفساد في الأرض.

والرجم الذي ورد في السُّنَّة الطاهرة عقوبة للزناة المحصنين نوع من "التقتيل" الذي ورد في آية "المائدة" عقوبة أولى على محاربة الله ورسوله والإفساد في الأرض.

فالقرآن والسنة في توافق تام في تحديد هذه العقوبة. فأين – يا ترى – مخالفىة السُّنَّة للقرآن في تحديد الرجم للزناة المحصنين، كما يزعم منكرو السنة النبوية؟

بل إننا نرى دقة متناهية بين معنى الرجم ومعنى التقتيل. فالرجم هو الرمي بالحجارة حتى الموت. فأسباب الموت فيه بطيئة ومتكررة.

وهذا المعنى هو الذي يفهم من "التقتيل" لأنه مصدر الفعل الثلاثي المضعف (قتل) على وزن "فعل" وهو يفيد معنى التكرار والتتابع المفهوم من لفظ "الرجم" لإن فيه تتابعاً بين القذف بالحجارة حتى الموت فأين دعاة مخالفة السنة للقرآن من هذه الدقائق والأسرا الملجمة لكل أفاك أثيم؟