عيش بالقرآن
إن الذي لا يكابد منـزلةَ الإخلاص، ولا يجاهد نفسه على حصنها المنيع، ولا يتخلق بمقام توحيد الله في كل شيء رَغَباً ورَهَباً؛ لا يمكن أن يُعْتَبَرَ حافظا لسورة الإخلاص! وإن الذي لا يذوق طعم الأمان عند الدخول في حِمَى "المعوذتين"، لا يكون قد اكتسب سورتي الفلق والناس! ثم إن الذي لا تلتهب مواجيدُه بأشواق التهجد لا يكون من أهل سورة المزمل!
كما أن الذي لا تحترق نفسه بجمر الدعوة والنذارة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ليس من المتحققين بسورة المدثر! ثم إن المستظهر لسورة البقرة، إذا لَمْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ لله في كل شيء، ولم يسلك بها إلى ربه، متحققا بأركان الإسلام وأصول الإيمان، متخلقاً بمقام الجهاد في سبيل الله، صابراً في البأساء والضراء وحين البأس، متنـزها عن المحرمات في المطعومات والمشروبات ..إلخ، واضعاً عنقَه تحت رِبْقِ أحكام الشريعة، في دينه ونفسه ومالِه، متحققاً بِخُلُقِ السمع والطاعة لله على كل حال، من غير تردد ولا استدراك؛ لا يكون حافظاً لسورة البقرة! وإنما الحافظ للشيء هو الحافظ لأمانته، المتحقق بحكمته، العامل بمقتضاه، المكابِدُ لما تلقَّى عنه من حقوق الله!