تعامله مع الأعراب
أما الأعراب، فهم أبناءُ بيئة جافَّة خشِنة، تجعل نفوسَهم أقربَ إلى الجفاء منها إلى الودِّ، يحتاجون في التعامل معهم إلى نفس هادئة حليمة، تَفهم طبيعتهم، وتقدِّر نفسيَّاتهم، فتبسط إليهم الودَّ؛ حتى وإن بدؤوك بالعدوان، فلنتعلَّم من مدرسة النبوة، ولنقف على بعض تلك المواقف التي تزيدنا حبًّا وتعلُّقًا برسولنا الكريم:
ولنستمع إلى أنس بن مالك يروي لنا:
كنت أمشي مع رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وعليه بُرْدٌ نَجْراني غليظ الحاشية، فأدرَكه أعرابي، فجبَذه بردائه جبْذةً شديدةً، حتى نظرتُ إلى صفحة عاتق رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قد أثَّرت بها حاشيةُ البُرد من شدَّة جبْذته، ثم قال: يا محمد، مُرْ لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ثم ضحك، ثمَّ أمر له بعطاءٍ.
إن هذا الأعرابيَّ لا يعجبه المنطق الدقيق، ولا الطبع الرفيق، قدْرَ ما يعجبه عطاءٌ يملأ جيبوبه، ويُسكن مطامعه.
وفي يوم أقبَل رجل إلى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فسأله مالاً، فأعطاه النبي الكريم قطيعًا من غنم بين جبلين، فرجع الرجل إلى قومه، فقال: ((يا قومِ، أسلموا؛ فإنَّ محمدًا يعطي عطاءَ مَن لا يخاف الفاقة))