لَا تَغْضَبْ
عن أبي هريرة – رضي الله عنه – :
" أَنَّ رَجُلًا قَالَ للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أوصني، قَال: لَا تَغْضَبْ".
هذه الوصية حكمة بالغة صدرت من حكيم تفجرت من قلبه ينابيع الحكمة فارتوى بها طلابها وعاشوا عليها حياة طيبة بعيداً عن مواطن الشر وعن أسبابه ودوافعه، وعاشوا لها يجمعوها ثم يتدبرونها ويفقهون معانيها ومراميها وينعمون بثمارها التي يحصلون عليها من خلال التأمل والنظر في أسرارها وآثارها.
وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من أحرص الناس على تلقيها وحفظها والعمل بها ونقلها إلى من بعدهم عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم:
" نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا وَحَفَظَهَا وَبلغها فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ".
لقد كان الرجل منهم يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيقول له: أوصني، وهو يعلم أن وصاياه أدوية شافية لأدواء النفوس المؤمنة والقلوب الواعية.
فالنفوس المؤمنة تستجيب لهذه الوصايا وتستريح لها وتستوعبها في سهولة ويسر، وتجد فيها الروح والريحان، وتنتفع بها كثيراً في التخلص من الحمية الجاهلية والعادات الموروثة والطباع الشريرة، حتى تتحول هذه النفوس من نفوس أمارة بالسوء إلى نفوس لوامة نادمة لا تصر على الذنب، ولا تصبر عليه ولا تستهين به، ولكن تبادر إلى التوبة منه، ثم تترقى هذه النفوس بالتوبة من منزلة إلى منزلة حتى تصبح مطئنة لذكر الله، راضية كل الرضا بقضائه وقدره مرضية عند الله وعند الناس، تستحق النداء الإلهي الوارد في سورة الفجر
{ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي }
(سورة الفجر: 27-30).
وهذه الوصية من الوصايا التي جمعت أسباب الخير كلها أو أكثرها وحذرت من خلائق الشر كلها أو أكثرها، ونبهت القلوب الواعية إلى أخطار الغضب وويلاته وثمراته المرة، وعواقبه الوخيمة وآثاره المدمرة.
فالغضب آفة الآفات كلها، فالشر ينبع منه وإليه يعود؛ لهذا لم يزد عليه النبي صلى الله عليه وسلم في الوصية مع إلحاح الرجل في الزيادة عليها، وكأنه يريد – صلى الله عليه وسلم – أن يخبره بأن الغضب لا يأتي بخير وأن في تركه سلامة الدين ومتعة الحياة.
فمن تركه ولم يتعاط أسبابه عاش معافى في دينه ودنياه.