لَا يَتَمَنَّيْنَ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ

لَا يَتَمَنَّيْنَ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ

عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ:  قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

"لا يَتَمَنَّيْنَ أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ من ضُرٍّ أَصابه، فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ فَاعلاً: فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتْ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي وَتَوَفَّنِي مَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي".

هذا الحديث يعلمنا كيف يكون التأدب مع الله تبارك وتعالى في شأننا كله، ويربي أنفسنا على الرضا بقضائه وقدره، وتفويض الأمر إليه – جل شأنه في محيانا ومماتنا، ويحذرنا من التعدي عليه سبحانه في الاختيار، وهو أمر ليس لنا فيه مثقال ذرة.

قال تعالى:

{ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ }

(سورة القصص: 68)

وقال عز من قائل:

{ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِن أَمْرِهِم وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً }

(سورة الأحزاب: 36).

والإنسان بطبعه يكره الموت، ويحب الحياة، ولكن قد يعرض له ما يدخل على نفسه اليأس منها فيستطيل عمره في هذه الدنيا، ويتمنى انقطاعه لكي يستريح مما يعانيه من مرض شديد، أو فقر مدقع، أو دين موجع، وما إلى ذلك من أنواع البلاء، وهو لا يدري إن كان سيجد الراحة بعد الموت أم لا يجدها، فقد يموت مثقل بالذنوب فيصلى بنارها في قبره ويوم تقوم الساعة، ولو عاش ربما يرزقه الله بتوبة نصوح، ويوفقه للعمل الصالح، ثم يلقى الله عبداً كريماً فيجزيه جزاءً حسناً على صبره، وحسن بلائه في جهاد نفسه وجهاد عدوه.

لهذا حذر النبي صلى الله عليه وسلم من تمني الموت فقال "لَا يَتَمَنَّيْنَ أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ" بصيغة التوكيد؛ لما في هذا التمني من الرعونة والتعدي على قدر الله، واليأس من رحمته وغير ذلك من الآفات التي تضعف الإيمان أو تقضي عليه تماماً، ونحن نعلم أن الإيمان بالقدر ركن من أركان الإيمان، والرضا به أمارة من أمارات صدق اليقين، وهو مقام كبار العارفين.

وهذا النهي مشروط بشرط هو قيد فيه وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "من ضُرٍّ أَصابه". أي بسبب ضر لحق به في أمر دينه أو شئون دنياه، فالحرف "مِن" للسببية.

وفي هذا التحذير – فوق ما ذكرنا – دعوة إلى الصبر والمصابرة، تحقيقاً لقوله تعالى:

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }

(سورة آل عمران: 200).

أي احبسوا أنفسكم على ما تكره ودربوها على ترك ما تحب، وغالبوهم على ما تهوى، ولا تتركوها نهياً لليأس والجزع والقنوط، وفريسة للعجز والكسل والخمول، ورابطوا في المساجد للصلاة ودروس العلم، ورابطوا على الحدود لحماية بلاد الإسلام من غارة الأعداء، لعلكم تجدون الفلاح في داري الدنيا والآخرة.