لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ
عَن عبد الله بْنِ عُمَرَ – رضي الله عنهما – أن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
"لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ"
النساء شقائق الرجال، أمرهن الله بما أمرهم به، إلا فيما لا تستطيعه إحداهن، أو لا يتناسب مع حالها ووضعها، وجعل لها من الأجر ما جعله للرجل في الأعمال الصالحة، فقد قال الله عز وجل:
{ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ }
(سورة آل عمران: 195)
قال جل شأنه:
{ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا }
(سورة الأحزاب: 35)
والصلاة عماد الدين وركنه الركين، وهي برهان صحة الإيمان بل هي الإيمان نفسه، كما قال تعالى في آية القبلة من سورة البقرة:
{ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ }
(سورة البقرة: 143)
أي صلاتكم.
وهي الصلة الوثيقة بين العبد وربه، يعبر له فيها عن كمال عبوديته وخضوعه لعظمته، ومدى افتقاره إليه، ويثنى عليه فيها بما هو أهله، وهي – في الحقيقة – محل الحمد والثناء وموئل الضراعة والدعاء.
فأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد كما جاء في الحديث، والصلاة في جماعة فرض كفاية، أو هي سنة مؤكدة – على الخلاف في ذلك بين الفقهاء – على الرجال دون النساء.
ولكن يجوز لهن أن يشاركن الرجال في حضورهن معهم في المساجد، وحضور مجالس العلم، بشرط أن يكن مستترات غير متبرجات ولا متعطرات، ولا مزاحمات الرجال.
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم الأزواج والأولياء ومن في حكمهم أن يمنعوا النساء من المساجد بوصفهن إماء الله – أي عبيد له مثل الرجال.
وهذا الحديث ردَّ على من يقول: إن العصر قد اختلف والحال قد تبدل، والفساد قد انتشر فمنعهن من الخروج إلى المساجد صار ضرورة، وصيانة لهن عن الوقوع في الفتنة، وصيانة للرجال – أيضاً – من الوقوع في فتنتهن.
وقد روى أبو داود في سننه عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ وَلِيَخْرُجْنَ تَفِلَاتٌ"
أي غير متعطرات.
فإذا خرجت متعطرة منعت وإلا فلا؛ فإن العطر نوع من الفتنة، فهو يدل عليها، ويحمل الرجال على تتبعها، والنظر إليها، فالستر مع العطر يكاد يكون في حكم العدم.
وقد روى أحمد وأبو داود: أن عَائِشَةَ – رضي الله عنها – أنكرت خروج النساء إلى المساجد بعد عصر النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ:
"لَوْ أَدْرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ بعده لَمَنَعَهُنَّ الْمَسَاجِدَ كَمَا مُنِعَ نِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ"
وهي في نظري لا تنكر خروجهن إلى المساجد ولكن تنكر ما يفعلنه في أنفسهن من الزينة والتبختر، ونحو ذلك مما يلفت أنظار الرجال إليهن، وكأنها تنهاهن عن ذلك بهذه الصيغة الرادعة، وتوحي إلى أوليائهن أن يحملوهن على التأدب بأدب الإسلام حالة خروجهن إلى المساجد ورجوعهن منها إلى بيوتهن، ولا يكن مثل نساء بني إسرائيل.
وصلاة المرأة في بيتها أولى من صلاتها في المسجد كما جاء في السنة، فكلما استترت عن الرجال كان ذلك أصلح لها وللرجال.
وروى أحمد والطبراني عن أم حميد الساعدية أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إني أحب الصلاة معك، فقال صلى الله عليه وسلم: "قد علمت، وصلاتك في حجرتك خير لك من صلاتك في مسجد قومك، وصلاتك في مسجد قومك خير لك من صلاتك في مسجد الجماعة".
ولهذا لم تجب عليها صلاة الجمعة، ولكن يستحب في حقها أن تصلي مع الناس صلاة العيد لتبتهج مع المبتهجين ولتشهد الخير مع المسلمين بشرط ألا يترتب على خروجها فتنة، وألا تكون معتدة عدة وفاة.
فقد روى البخاري ومسلم عن أم عطية – رضي الله عنها – قالت:
أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرجهن في الفطر والأضحى وَالْعَوَاتِقَ وَالْحُيَّضَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ فَأَمَّا الْحُيَّضُ فَيَعْتَزِلْنَ الصلاة وَلْيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ دَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ قلت يَا رَسُولَ اللَّهِ إِحدانا لَا يَكُون لَهَا جِلْبَابٌ؟ قال: "لِتُلْبِسْهَا أُخْتُهَا مِنْ جَلَابِهَا "
وفي رواية لمسلم وأبي داود:
"وَالْحُيَّضُ يَكُنَّ خَلْفَ النَّاسِ فَيُكَبِّرْنَ مَعَ النَّاسِ"
وإذا نظرنا إلى النساء في عصرنا هذا، وما يفعلنه في أنفسهن من الزينة ووسائل الفتنة، لجاز لنا أن نمنعهن من المساجد وغيرها ونحن مطمئنون إلى هذا؛ لكن هناك ما يجعلنا نفضل عدم المنع على المنع، وهو حاجتهن إلى العلم والتهوية التي يحرمن منها بسبب ضيق المساكن، وعدم فراغ الرجال لتعليمهن أو لعدم قدرتهم على ذلك لجهلهم، ولعلهن يجدن في الخروج إليها شيئاً من الترويح على النفس، وربما يجدن من بينهن من ترشدهن إلى الطاعة وتدعوهن إلى الخير.
وفي المساجد أماكن قد خصصت لهن والحمد لله، وذلك يجعلنا نسمح لهن بالخروج إليها عن طيب نفس، والآمر في هذا وذاك موكول للرجال، فمن علم أن امرأته على هدى وخير، وأمن عليها من الأذى واطمأن أنها لا تخرج متبرجة بزينة، فليأذن لها بالخروج، وإلا منعها.
والله ولي التوفيق