اتَّقُوا دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ

اتَّقُوا دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ

عَنْ عبد الله بْنِ عَبَّاسٍ –رضي الله عنهما-

أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إِلَى الْيَمَنِ، فَقَالَ: "اتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ"

كان النبي صلى الله عليه وسلم يحذر أصحابه تحذيراً شديداً من الوقوع في الظلم، وينفرهم من عواقبه الوخيمة، وآثاره المؤلمة، ويدعوهم إلى نصرة المظلوم بشتى الوسائل المشروعة، ويحضهم على رعاية الحريات وصيانة الأعراض والأموال، وإقامة العدل بين الناس في جميع الأحوال، ويخبرهم أن أبواب السماء مفتوحة لدعوة المظلوم فلا ترد أبداً؛ لأن الله حرم الظلم على نفسه، وجعله بين الناس محرماً، فمن ظلم فظلمه يعود عليه ويحيق به.

وقد بعث معاذاً بن جبل إلى اليمن والياً، وكان رجلاً صالحاً زاهداً تقياً ورعاً، ومع ذلك أوصاه بهذه الوصية ليكون غيره بها أجدر، فقال له: "اتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ"، أي اجعل لنفسك وقاية من عواقبها بترك الظلم، والتخلي عن أسبابه ووسائله، ولا تحم حوله من قريب أو بعيد، ولا تعن ظالماً على ظلم أحد، ولا ترض به إن وقع، وكن للمظلوم ناصراً ومعيناً له على أخذ حقه ممن ظلمه بالحسنى، أو بالقوة إن استدعى الأمر ذلك، وأقم شرع الله بين الناس، واحكم بينهم بالحق، وكن قواماً عليهم بالقسط، ولا تحاب أحداً في إحقاق الحق وإبطال الباطل، واحرص كل الحرص على طاعة الله حيثما كنت، واعلم أن الله مع المظلوم حتى تنصفه؛ فإن لم تنصفه فانتظر ما يحل بك إن دعا عليك.

كل ما قلته تحمله هذه الوصية؛ لأن التقوى صفه جامعة لذلك وغيره، فهي طلب الوقاية من كل ما من شأنه أن يُتقى.
وطلب الوقاية إنما يكون بتحصيل أسبابها ووسائلها.
والوسائل والأسباب تتمثل كلها في ترك المعاصي وفعل الطاعات.
والظلم من أكبر الكبائر والعدل من أعظم الطاعات، وهو أساس الملك، لأن الله – عز وجل- قد أقام الوجود كله عليه، فلا ترى في خلق الله من تفاوت، ولا ترى في شرعه من تناقض، ولا ترى في حكمه من قصور، ولا ترى في شأنه كله مع عباده إفراطاً ولا تفريطاً.

هذا هو معنى قولهم: العدل أساس الملك.

وجماع أمر الإسلام كله في آية واحدة: 

{ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }

(سورة النحل: 90)

وقد وردت أحاديث كثيرة تؤكد أن دعوة المظلوم لا تُرد منها: 

ما رواه الترمذي وأبو داود عن أبي هريرة – رضي الله عنه - 

أَن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ: الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ، وَالْإِمَامُ الْعَادِلُ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ، يَرْفَعُهَا اللَّهُ فَوق الْغَمَامِ، وَتُفْتَحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَيَقُولُ الرب: وَعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ"

وفي رواية:

"ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لَا شَكَّ فِي إجابتهِنَّ دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ".

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: 

"اتَّقُوا دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنَّهَا تَصْعَدُ إِلَى السَّمَاءِ كَأَنَّهَا شَرَارَةٌ"

ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم في هذه الوصية:

"فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ" 

أنها مستجابة من غير قيد أو شرط، وأنها ترفع إلى الله مباشرة ليقضي فيها بالحق، وأنه لا يمنع من قبولها مانع إذا ما دعا المظلوم وهو موقن بالإجابة.

روى أحمد في مسنده عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: 

"دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ مُسْتَجَابَةٌ وَإِنْ كَانَ فَاجِرًا، فَفُجُورُهُ عَلَى نَفْسِهِ"

وروى أحمد في مسنده أيضاً عن أبي عبد الله الأسدي قال: سمعت أنس ابن مالك – رضي الله عنه – يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: 

"اتَّقُوا دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ ، وَإِنْ كَانَ كَافِرًا، فَإِنَّهُ لَيْسَ دُونَهُ حِجَابٌ"

وروى ابن حبان والحاكم بسند صحيح حديثاً طويلاً سيأتي ذكره بتمامه في موضع آخر من هذا الكتاب، وقد جاء فيه أن أبا ذر – رضي الله عنه – قال:  

قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كَانَتْ صُحُفُ إِبْرَاهِيمَ؟ قَالَ: "كَانَتْ أَمْثَالًا كُلَّهَا: أيها الملك المسلط المبتلى المغرور إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها على بعض، ولكني بعثتك لترد عني دعوة المظلوم، فإني لا أردها وإن كانت من كافر..." 

روى أن ملكاً من ملوك بني إسرائيل بني قصراً منيفاً فزينه وجمله، ولم ير فيه عيباً إلا أن بجواره كوخاً لمرأة عجوز فهدمه، وكانت في حاجتها، فلما جاءت ورأته مهدوماً سألت عمن هدمه، فقيل: إنه الملك، لما أقبل الملك في زينته وحشمه تعرضت له، فقالت: أأنت هدمت كوخي؟ فقال: نعم، فقالت: وأين حقي؟، قال لا حق لك عندي، قالت: والله لأدعون عليك دعوة تنصفني منك، فسخر منها، فرفعت بصرها إلى السماء، وقالت: "اللهم إني كنت غائبة وأنت حاضر فانتصف لي منه.

فلما جن الليل ونامت الأعين دك الله القصر على من فيه، ووجد مكتوباً على أحد جدرانه:أتهــزأ بالــدعاء وتـزدريه وما يدريك ما صنع الدعاء سهام الليل لا تخطى ولكن لها أمـــد وللأمــد انقــضاءوقــد حـكم الإله بما تــرى فما للحــكم عـــنــدكم بــقاء وقد علم النبي صلى الله عليه وسلم المظلوم دعوات يلهج بها عند اشتداد الكرب نذكر لك هنا بعضها تتمة للفائدة.

 عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: 

"إذا تخوف أحدكم السلطان فليقل: اللهم رب السماوات السبع ، ورب العرش العظيم ، كن لي جارا من شر فلان بن فلان، يعني الذي يريده، وشر الجن والإنس وأتباعهم أن يفرط على أحد منهم، عز جارك، وجل ثناؤك، ولا إله غيرك"

وعن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: 

"إذا أتيت سلطاناً مهيباً تخاف أن يسطو بك، فقل: الله أكبر، الله أعز من خلقه جميعاً، والله أعز مما أخاف وأحذر، أعوذ بالله الذي لا إله إلا هو الممسك السماوات أن يقعن على الأرض إلا بإذنه من شر عبدك فلان وجنوده وأتباعه وأشياعه من الجن والإنس، اللهم كن لي جاراً من شرهم، جل ثناؤك، وعز جازك، وتبارك اسمك، ولا إله غيرك ثلاث مرات"

وعن أبي مجلز، واسمه لاحق بن حميد رضي الله عنه، قال: "من خاف من أمير ظلماً فقال: 

"رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نبياً، وبالقرآن حكماً وإماماً نجاه الله منه"


نسأل الله لنا ولكم النجاة في الدنيا والآخرة.