ارْجِعْ فَأَحْسِنْ وُضُوءَكَ

ارْجِعْ فَأَحْسِنْ وُضُوءَكَ

عَنْ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ –

أَنّ رَجُلًا تَوَضَّأَ لِلصَّلَاةِ فَتَرَكَ مَوْضِعَ ظُفُرٍ عَلَى قَدَمِهِ، فَأَبْصَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "ارْجِعْ فَأَحْسِنْ وُضُوءَكَ" فَرَجَعَ ثُمَّ صَلَّى.

الوضوء مأخوذ من الوضاءة، وهي الطهر والضياء، والحسن والبهاء والبهجة. ويطلق في اللغة على الوضوء الشرعي المعروف، وعلى غسل اليدين.

 ومنه قوله – صلى الله عليه وسلم: 

"الْوُضُوءَ قَبْلَ الطَّعَامِ ينفي الفقر وبعده ينفي اللمم".  

ومعناه: غسل اليدين، كما ذكرنا. 

والمراد باللمم: بقايا الطعام اللاصقة باليد.

وحمل بعضهم عليه قوله: "توضأوا مما غيرت النار" أي اغسلوا أيديكم فإنه أهنأ للأكل.

وقد عرف الفقهاء الوضوء بأنه: طهارة مائية لأعضاء مخصوصة بنية التعبد.

ويسمونه: بالطهارة الصغرى.

ويسمون الغسل من الجنابة والحيض والنفاس: بالطهارة الكبرى.

وللوضوء فروض وسنن، ومستحبات وشروط وآداب ذكرها الفقهاء في كتبهم. 

ولكي يكون وضوؤك أيها الأخ المسلم تاماً عليك أن تراعي هذه الآداب فإنك تؤجر على ذلك ويزداد إيمانك. 

وإياك أن تترك لمعة في عضو من أعضاء الوضوء دون أن يصيبها الماء؛ فإن ذلك يفسد الوضوء، وبفساده تفسد الصلاة. 

فهذا الرجل الذي ذكره عمر – رضي الله عنه – في هذا الحديث ترك موضع ظفر على قدمه لم يصبه الماء، فرآه النبي – صلى الله عليه وسلم – فأمره أن يرجع إلى موضع الماء ليغسل ما تركه من قدمه، وما ذاك إلا ليعلم الرجل أن وضوءه فاسد لا تجوز الصلاة به حتى يتدارك ما فاته غسله. 

وقد رجع الرجل فأحسن وضوءه كما أمره النبي – صلى الله عليه وسلم -. 

ولو كان الأمر هيناً ما أمره بإحسان الوضوء.

لكن ينبغي أن نعلم أن إحسان الوضوء معناه في الحديث تحصيل الفريضة، وهو غسل العضو، وتعميمه بالماء طاعة لله عز وجل.

والأعضاء التي يجب غسلها: الوجه من منابت الشعر إلى أسفل الذقن طولاً، ومن شحمة الأذن إلى شحمة الأذن الأخرى عرضاً، مع تتبع جفون العين وأرنبة الأنف. 

وغسل اليدين إلى المرفقين مع إدخال المرفقين في الغسل؛ ليتحقق المتوضئ من استيعاب العضو كله مع تخليل أصابع اليدين. 

وغسل الرجلين إلى الكعبين مع إدخال الكعبين في الغسل. 

والكعبان هما: العظمان البارزان على جانبي القدم. 

أما الرأس فإنه يمسح ولا يغسل.

ويتقدم هذه الفروض – النية، فإنها هي: القصد المقترن بالفعل، بحيث يكون عند الشروع فيه.

وقد وردت هذه الفروض في قوله تعالى من سورة المائدة: 

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ } 

 (آية: 6).

أما إحسان الوضوء بعد تحصيل هذه الفروض فيدخل فيه ما سواها من السنن والمستحبات، وهو مطلوب أيضاً، لكن طلباً غير جازم.

وقد جمعت من كتب الفقه والحديث وكتب التصوف آداباً كثيرة، وألقيت فيها محاضرة مستفيضة في بعض المساجد الكبرى بعنوان: وضوء الصالحين. نقتبس لك هنا شيئاً منها: 

وضوء الصالحين شطر الإيمان في بابه: 

إذا أردت أن يزداد إيمانك ويقوي يقينك ويصفو قلبك، وتخشع في صلاتك خشوع العارفين بالله، فاحرص على ثلاثة أمور من أول عضو تغسله إلى آخر عضو. 

وهي أن تذكر نعمة الله عليك في كل عضو تغسله فتشكره عليه، وتذكر ما وقع منه من الذنوب فتستغفر الله له، وتعزم على أن تعصمه مما وقع فيه، وفتخرج من وضوئك ذاكراً شاكراً مستغفراً تائباً. 

فإذا جلست عند الماء فاذكر نعمة الله عليك في إيجاده وتمكينه لك من استعماله، واشكر الله على ذلك بقلبك ولسانك. 

وإذا غسلت كفيك فاذكر نعمة الله عليك في إيجادهما، واشكره على ذلك، واذكر خطاياهما، واستغفره من ذلك، وتب لهما توبة نصوحاً، فعسى الله أن يقبلها منك. 

وإذا تمضمضت فاذكر نعم الله عليك في هذا الفم وما يحتويه، واشكره على ذلك، واستغفر الله من ذنوب لسانك، وما أكثرها!!، واستغفر له وتب مما جناه. 

وهكذا فافعل في غسل وجهك ويديك، وفي مسح رأسك وفي غسل رجليك، فإنك لو فعلت ذلك كما وصفت لك عرفت أنه هو الوضوء بمعناه الصحيح، وأدركت أن ما سواه هو وضوء الغافلين، وأبصرت بدور بصيرتك أن الطهور شطر الإيمان حقاً في بابه. 

وذلك لأن الطهور له معنى أوسع مما يعرفه أكثر الناس. 

وقد ذكر الغزالي في كتاب الطهارة من "إحياء علوم الدين" أن لها أربعة مراتب: 

الأولى: طهارة الباطن مما سوى الله تعالى، وهو مقام الأنبياء والمرسلين. 

والثانية: طهارة القلب من الحقد والحسد والعجب والرياء والغرور وغير ذلك مما يعكر صفو الإيمان. 

والثالثة: طهارة الجوارح، يعني كفها عما حرم الله – عز وجل -. 

والرابعة: طهارة الظاهر من الأحداث والأخباث والفضلات. 

ولا شك أن الوضوء الذي وصفته لك يحقق لك الطهارة بأنواعها الثلاثة، التي هي من أوصاف الصالحين. 

وعندئذ يستطيع المتوضيء أن يدخل الصلاة بقلب طاهر مستنير قد تحصن من الشيطان، فلا يستطيع أن يقتحمه ليصرف صاحبه عن صلاته، ويحول بينه وبين الخشوع فيها كما يفعل مع عامة الناس. 

والصلاة عماد الدين وركنه الركين، لو أداها المسلم بخشوع وخضوع لنهته عن الفحشاء والمنكر. 

ولو انتهى عن الفحشاء والمنكر لصار عبداً ربانياً مقرباً، فكيف يتركه الشيطان يصل إلى هذه المرتبة! 

يقول الله – عز وجل - : 

{ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ } 

(سورة فاطر: 6).

إن الوضوء إجراء تحضيري يتقدم الصلاة فلابد أن يكون على هذا النحو، لا على النحو الذي يفعله عامة الناس.

فالوضوء على النحو الذي ذكرته مجال للتأمل والنظر، ووقت قصير لمحاسبة النفس والشفاعة لها عند خالقها وبارئها، وتجديد العهد مع الله بالتوبة النصوح مما اقترفته أعضاء الوضوء من الذنوب.

هذا، وبعد الوضوء سنن ينبغي مراعاتها، منها: 

أن يرفع المتوضيء يده إلى السماء ويقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، رب اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين. 

فمن قال هذا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء، كما جاء في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه، وأحمد في مسنده، والترمذي في جامعه.

ثم يصلي ركعتين سنة الوضوء في غير أوقات النهي. 

وقبل أن يقبل على صلاة الفريضة يستحضر قلبه بذكر الموت، ويتحصن من الشيطان بالاستعاذة، ويقبل على صلاته وكأنه مودع. 

وسوف أتكلم عما ينبغي على المسلم فعله قبل الصلاة في موضع آخر إن شاء الله 


وبالله التوفيق