بِاسْمِكَ رَبِّي وَضَعْتُ جَنْبِي
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – قَالَ: قَالَ النبي اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"إِذَا أَوَى أَحَدُكُمْ إِلَى فِرَاشِهِ فَلْيَنْفُضْ فِرَاشِهِ بِدَاخِلَةَ إِزَارِهِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَدري مَا خَلَفَهُ عليه، ثُمَّ يَقُول: بِاسْمِكَ رَبِّي بِكَ وَضَعْتُ جَنْبِي وَبِكَ أَرْفَعُهُ، إِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَارْحَمْهَا وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ.
وهذا حديث آخر يرويه أبو هريرة عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يوصي فيه المسلم أن ينفض فراشه إذا أتاه لينام عليه بطرف ثوبه؛ حذراً من أن يكون فيه ما يخشى على نفسه منه، ثم يدعو الله عز وجل بهذا الدعاء المذكور.
ومعنى: "أَوَى" يقصر الهمزة: أتى:
أما "آوى: بالمد فهو فعل متعد إلى مفعول، تقول: أويت إلى فراشي، بالقصر، وآويت فلاناً إلى فراشي، بالمد، فافهم الفرق بينهما فإني رأيت الكثير من الخطباء والمتحدثين يخطئون في ذلك.
و "داخلة الإزار" طرف السروال؟ويتحقق نفض الفراش بأي شيء يتم به التنظيف والإزالة.
ويعلل النبي صلى الله عليه وسلم الأمر بنفض الفراش بقوله: "فَإِنَّهُ لَا يَدري مَا خَلَفَهُ عليه" أي: لا يدري ما حل فيه بعد أن تركه.
وقد يقول قائل: إن الفرش عندنا في المدن نظيفة لا تخشى عليها من الهوام كالعقرب ونحوها مما يضر أو يخيف، فهل يستحب في حقنا نفض فرشنا؟
أقول: نعم، يستحب في حقنا ذلك؛ لأمرين:الأول: أن ذلك سنة متبعة.
وقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم – في الحديث الصحيح:
"عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسَنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِن بَعدي - وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ"
أي الزموها واحرصوا عليها.
والعض بالنواجذ: - هي الأسنان – كناية عن شدة الحرص عليها، والتمسك بها.
والثاني: أن الفرش لا تسلم من وجود غبار والجراثيم والفيروسات، ونحو ذلك مما هو أشد خطراً من العقارب والخنافس والصراصير ونحوها من الهوام.
والإنسان الحريص على دينه، وعلى صحته لا ينام على فراش بل ولا يجلس عليه حتى ينفضه، ويطمئن إلى إلى خلوه مما قد يعلق بثيابه أو جسده.
والإسلام دين الطهر والنظافة لا شك في ذلك.
ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان أطهر الناس خَلقاً وخُلقاً، وأنظفهم ثياباً وفراشاً، فعلينا أن نقتدي به في عاداته كما نقتدي به في عباداته ومعاملاته.
وبعد أن يتفض المسلم فراشه، ويضطجع عليه يقول: "بِاسْمِكَ رَبِّي... إلى آخر الدعاء. ويستحب أن يضطجع على شقه الأيمن كما مر في الحديث الذي قبله.
ومعنى "بِاسْمِكَ رَبِّي بِكَ وَضَعْتُ جَنْبِي": بعونك وبفضل ذكر اسمك وضعت جنبي على فراشي، ولولاك يارب ما تحركت ولا سكنت، إذ لا حول لي ولا قوة إلا بك، فباسمك قامت السموات والأرض، وباسمك دبر أمرهما، وأمر من فيهما، وبك يارب أرفعه إن شئت، فلا راد لقضائك ولا معقب لحكمك.
ثم يقول: "إِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي" عندك ولم ترسلها فارحمها برحمتك الواسعة."وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ" من عبادك يارب العالمين ويا رب العالمين ويا أرحم الراحمين.
احفظ هذا الدعاء، والهج به قبل النوم، وأده بلفظه ما استطعت، وادع بالدعاء السابق في الحديث الذي قبله، وادع بما استطعت من الأدعية الواردة عند النوم، واقرأ من السور ما كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يقرأه، كآية الكرسي وخواتيم سورة البقرة، وسورة الإخلاص، وسورة الفلق، وسورة الناس، ولا تحدث شيئاً بعد الذكر يحول بينك وبين الحصول على فوائده التي ذكرناها في الحديث الذي قبله.
ولا شك أن الذكر عند النوم ينفض عن الذاكرين ما في قلوبهم من دخل، فينامون علة فراش طاهر، وبجسد طاهر، وبقلب طاهر.
و "الطهور شطر الإيمان" كما قال الرسول – صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه.
نسأل الله عز وجل أن يوفقنا لطاعته ويهدينا سواء السبيل.