احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ

احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ

والمعنى: احفظ حقوق الله عليك في العبادة فلا تتوجه بقلبك إلا إليه، ولا يراك غافلاً عن ذكره وشكره واحفظ دينه يحفظ أمانتك وعهدك وصلاتك وصيامك وسائر ما افترضه عليك، ولا تتجاوز حدوده التي حدها لعباده، وكن قواماً بالقسط في أمرك كله، ولا تعط الدنية في دينك، واتبع سبيل المؤمنين، وكن قدوة لغيرك في الصلاح والتقى، فهي وصية جامعة لأصول الدين، وفروعه، وفيها من الإيجاز البليغ ما يضيق المقام عن ذكره، ودراستنا للوصايا النبوية ليست دراسة لغوية، وإنما هي دراسة لما تحتويه من الأوامر والنواهي والعظات والعبر.

كادت هذه الكلمات تكون قرآناً، فهي كلماتٌ جامعة لثمرات الإيمان كلها، مشتملة كل آيات اليقين بفضل الله تعالى.

أنها كلمات يسيرة يسهل حفظها، واضحة الدلالة لا يحتاج العاقل في تأويلها إلى بيان، فهي البيان نفسه في أسمى صوره، وأرقى أساليبه، ويجد المؤمن لها حلاوة في قلبه لا يجدها في غيرها، ويشعر بعذوبتها في كيانه كله، وتسري حرارتها وبرودتها في العروق والخلايا، ويستقبلها الضمير الحي بارتياح ما بعده ارتياح.

كل كلمة من هذه الكلمات تعبير صادق عن الدين كله، لكن أبى البيان إلا أن يسترسل النبي صلى الله عليه وسلم في ذكر كلمات يتتابع روحها وريحانها كما يتتابع الغيث بالمغيث الذي يجد الناس فيه الحياة، فيشرب المؤمن من سلسبيل كل كلمة منها حتى يرتوي فلا يظمأ بعدها أبداً.