الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ

الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – أَنَّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

 "الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ".

هذه الوصية حكمة بالغة، ونصح رشيد، وقاعدة من أهم القواعد التي تبنى عليها العلاقات الشخصية والصلات الاجتماعية، وهي – كما ترى – قليلة الألفاظ، حافلة بالمعاني الإنسانية، التي يدركها العقل السليم ويرتضيها، ولا يشك في بنفعها وبعد أغوارها في أعماق الخير وأجواء التعاون البناء في ظل الخُلُق الفاضل والسلوك النبيل.
وهذه الوصية إنما ينتفع بها من ملك عقلاً مدركاً لأبعاد الأمور وعواقبها، وقلباً نقياً، يرى بنور الله ما لا يراه الناظرون بأبصارهم.

وقوله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –: "عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ" معناه: أنه يتأثر بأحواله وأقواله وأفعاله، حتى يجد نفسه قد سلك مسلكه باختياره تارة ومن غير شعور تارة أخرى، وربما صار نسخة منه في العادات والمعاملات، كما يوحي به الحرف "عَلَى"، فهو هنا للتمكن والاستعلاء.

فإذا صحب الرجل رجلاً مدة طويلة وكان أقل منه عقلاً وعلماً وخبرة تمكن من خُلُق صاحبه، وتمكن خلق صاحبه منه، واستعلى كل منهما على الآخر متى كان أقوى منه مادياً ومعنوياً.

ونستطيع أن نقول: إن المؤثر منهما استعلى على صاحبه، فأسره بقوة التأُثير، فكان معه إمعة، يأمر بأمره وينتهي بنهيه، ويمشي معه كما يمشي الخادم خلف مخدومه.
وقد جرت العادة أن قرين السوء يكون في الغالب أشد تأثيراً على قرينه الصالح؛ لأن الشيطان مع قرين السوء دائماً، بالإضافة إلى ما يملكه قرين السوء من المغريات والمفسدات.

ودين المرء معناه في الحديث: اتجاهه ومنهجه، ومذهبه وطريقته، وعادته وسلوكه، وعقيدته وما إلى ذلك مما يتميز به.

وقد يكون للمرء أكثر من خليل يؤاخيه ويماشيه، ويصحبه في حله وترحاله ويكون له كظله، وتتعمق الصلة بينهما حتى يكونا كرجل واحد.