لَا أُزَكِّي عَلَى اللَّهِ أَحَدًا

لَا أُزَكِّي عَلَى اللَّهِ أَحَدًا

عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا – قَالَ:

أَثْنَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "وَيْلَكَ، قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ، قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ مِرَارًا ثُمَّ قَالَ: مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَادِحًا أَخَاهُ لَا مَحَالَةَ فَلْيَقُلْ: أَحْسِبُ فُلَانًا وَاللَّهُ حَسِيبُهُ، وَلَا أُزَكِّي عَلَى اللَّهِ أَحَدًا، أَحْسِبُهُ كَذَا وَكَذَا إِنْ كَانَ يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْهُ".

ومعنى: 

"لَا أُزَكِّي عَلَى اللَّهِ أَحَدًا": 

لا أقطع على عاقبة أحد ولا على ما في ضميره؛ لكون ذلك مغيباً عني.

وقد اقتضت مكارم الأخلاق أن يعرف المرء لأخيه حقه وفضله، فيثنى عليه بما هو أهله، والثناء نوع من الشكر، ولا يخفى ما فيه من تطييب للنفوس وتهييج للعواطف وتحريض على المزيد من فعل الخير، ولكن الناس في هذا أصناف.

فمنهم من يحمله المدح على التكبر والغرور، والعجب والرياء وحب الظهور.

ومنهم من يدفعه المدح إلى التقاعد عن نيل المطالب العلية والركون إلى ما قد مدحه الناس به، فلا يزيد عليه، ويقول في نفسه: كفاني ما أنا فيه، فقد وصلت إلى مرتبة الثناء، وهي ما كنت أبغيه من عملي.

ومنهم من إذا مدح، خجل واستحيا ووجد من ذلك حرجاً شديداً في نفسه.

ومنهم من إذا مدح ربا الإيمان في قلبه، وحرص على المزيد من فعل الخيرات، وعمل جهده على أن يكون عند حسن ظن الناس به.

والثناء – أيضاً – نوع من الشكر – كما قدمنا – واعترف بالجميل، وهو شيء يحد صاحبه عليه، بشرط أن يكون هذا الثناء في موضعه من غير مبالغة.

وهناك ثناء يعتبر من باب النفاق والكذب والخداع من أجل الحصول على غرض من أغراض الدنيا، وهذا ممقوت شرعاً وعقلاً وعرفاً.

وقد أثنى النبي – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – على كثير من أصحابه وبشرهم بالجنة؛ لحسن إسلامهم وإخلاصهم لله في القول والعمل.

والمؤمن صادق اللهجة، قوي الحجة، واضح المحجة، سره كعلانيته، لا يتلون بلونين، ولا يأتي الناس بوجهين.