لَا تَدْعُوا عَلَى أَوْلَادِكُمْ

لَا تَدْعُوا عَلَى أَوْلَادِكُمْ

عَنْ جَابِرِ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – أَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

"لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَوْلَادِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ، لَا تُوَافِقُوا مِنْ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى سَاعَةَ يُسأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ فَيَسْتَجِيبَ لَكُمْ".

الإنسان عجول بطبعه، كفور في أكثر أحواله، كثير الجدل حتى مع نفسه، يغضب أحياناً لأتفه الأسباب، ويثور على من يغضبه حتى ينسى ما قد فعله به من صنائع المعروف، وما يكنه له من الاحترام والحب، فيسبه ويشتمه ويدعو عليه، بالويل والثبور وعظائم الأمور.

وأحياناً يملكه الغضب فيدعو على نفسه دعاءً لو أفاق من غضبه لاستنكره غاية الاستنكار، وندم على التفوه به إن صدق نفسه أنه قد دعا به؛ فالغضب يسلب الإنسان لبه، ويفقده إرادته، ويسيطر على كيانه كله، ويجعله دمية تصرفها الرياح إلى هنا وهناك، وحتى تهوى بها في نهاية الأمر إلى مكان سحيق.

إن رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يقول لنا بدافع من الحب العميق والود الرفيق: "لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ" أي بالشر في وقت الغضب أو وقت الشعور بالنكد واليأس والجزع؛ فإن المؤمن يطرد من نفسه بنفسه أي شبح من الأشباح المثبطة للعزائم والهمم، والمنافية للتوكل على الله والثقة بفضله، ويعالج نفسه بنفسه من تلك الآفات التي تعكر صفو الإيمان وتكدر جلوة اليقين.

فأي عاقل يعرف عواقب الأمور – لا يدعوا على نفسه أبداً ولا على أولاده مهما كانت الظروف صعبة، ومهما بدا له أن سورة الغضب لا ينقشع إلا بذلك.

ويستفاد من هذا الحديث فوق ما ذكرنا: أن يكون العبد مؤدباً مع ربه – عز وجل – فلا يسأله عن شيء هو لا يرجوه منه في قرارة نفسه، ولا يتمناه لنفسه ولا لأولاده ولا لماله، فإذا دعا بالشر على نفسه وولده وماله فقد أساء الأدب مع الله – عز وجل وفي ذلك من الإثم ما فيه، فليس هناك جرم أعظم من سوء الأدب مع الكبير المتعال عز جاهه وقوي سلطانه ولا إله غيره.