لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة

لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة

عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:  لَمَّا غَزَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ-  أَوْ قَالَ: لَمَّا تَوَجَّهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَشْرَفَ النَّاسُ عَلَى وَادٍ فَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّكْبِيرِ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ.

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: 

"ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا إِنَّكُمْ تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا، وَهُوَ مَعَكُمْ" وَأَنَا خَلْفَ دَابَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمِعَنِي وَأَنَا أَقُولُ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ. فَقَالَ لِي: "يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ" قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: "أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى كَلِمَةٍ مِنْ كَنْزٍ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ؟" قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ فَدَاكَ أَبِي وَأُمِّي. قَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ.

أبو موسى الأشعري هو عبد الله بن قيس بن سليم، وهو صحابي جليل، حميد السيرة، نقي السريرة، سليم القلب، لا يحمل غلاً لأحد، يحب كل الناس، وكل الناس يحبونه ويجلونه، كان صواماً قواماً، ولا سيما في الأيام التي يشتد فيها الحر، ومع ذلك كان بارعاً في الجهاد، صاحب شجاعة وإقدام، حتى روى أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – قال فيه: "سيد الفوارس أبو موسى الأشعري.

وكان – رضي الله عنه – حسن الصوت بالقرآن، فقد شهد له النبي – صلى الله عليه وسلم – بذلك فقال: 

"لَقَدْ أُوتِيت مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ دَاوُدَ - عَلَيْهِ السَّلَام –".

 ودعا له فقال: "اللهم اغفر لعبد الله بن قيس وأدخله يوم القيامة مدخلاً كريماً".

وبشره مع بلال بن رباح، بالخير في الدنيا والآخرة، كما في صحيحي البخاري ومسلم.

وكان – رضي الله عنه-  من أفقه الناس وأعلمه بأصول الشريعة وفروعها.

قال الشعبي: انتهى العلم إلى ستة، فذكره فيهم.

وقال ابن المديني شيخ البخاري: قضاة الأمة أربعة: عمر، وعلي، وأبو موسى، وزيد بن ثابت.

وينتسب أبو موسى إلى قومه الأشعريين المنسوبين إلى أبيهم "الأشعر" من أهل اليمن.

وقد جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم – للأشعريين المؤمنين بين صفتي الشجاعة والأمانة، فقال: 

"نِعْمَ الْحَيُّ الْأَسْدُ وَالْأَشْعَرِيُّونَ لَا يَفِرُّونَ فِي الْقِتَالِ وَلَا يَغُلُّونَ  (أي: لا يخونون) هُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ".

ثم أضاف إليهم منقبة جليلة ثالثة، وهي التكافل فيما بينهم، فقال: "إِنَّ الْأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا (أي نقص زادهم) فِي الْغَزْوِ، أَوْ قَلَّ طَعَامُ بِالْمَدِينَةِ، جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ، فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ".

 وباله من شرف عظيم لأبي موسى وقومه حينما يكرر المصطفى قوله في شأنهم: 

"فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ". 

واشتهر الأشعريون بقراءة القرآن الكريم في الليل: حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: 

"إِنِّي لَأَعْرِفُ أَصْوَاتَ رُفْقَةِ الْأَشْعَرِيِّينَ بِالْقُرْآنِ حِينَ يَدْخُلُونَ بِاللَّيْلِ ، وَأَعْرِفُ مَنَازِلَهُمْ مِنْ أَصْوَاتِهِمْ بِالْقُرْآنِ بِاللَّيْلِ، إِنْ كُنْتُ لَمْ أَرَ مَنَازِلَهُمْ حِينَ نَزَلُوا بِالنَّهَارِ".

وقد قدم أبو موسى الأشعري من "اليمن" إلى مكة، فلقى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قبل أن يهاجر إلى المدينة، وأعلن إسلامه، ثم عاد إلى اليمن بتوجيه من النبي – صلى الله عليه وسلم – ليبشر بدين الله بين قومه، وليكون مع معاذ بن جبل هناك، يعاونه في التعليم والإرشاد.

وبعد حين خرج أبو موسى الأشعري من بلده مهاجراً إلى المدينة، ومعه عشرات من قومه، قد هداهم الله إلى الإسلام بفضله ، وركبوا البحر فألجأتهم الرياح إلى أرض الحبشة، ثم قدموا مع جعفر بن أبي طالب إلى المدينة يوم فتح الله على المسلمين حصون خيبر، ولذلك كان يقال لأبي موسى الأشعري: ذو الهجرات الثلاث.

وفرح الرسول صلى الله عليه وسلم بهؤلاء المهاجرين، وأثنى عليهم، وأسهم لهم من غنائم خيبر، ولم يسهم منها لأحد غاب عن فتحها سواهم.

ولهذا الصحابي الجليل مناقب عظيمة تراجع في كتب السير، وفيما ذكرناه كفاية.

قال – رضي الله عنه - : "لَمَّا غَزَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ-  أَوْ قَالَ: لَمَّا تَوَجَّهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ". شك من الراوي، والمعنى واحد، وقد كانت غزوة خيبر في السنة السابعة من الهجرة.

قال: "أَشْرَفَ النَّاسُ عَلَى وَادٍ" 

أي نزلوا فيه، وصعدوا على أعاليه، يقال: أشرف على المكان أي علا عليه.

قال: 

"فَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّكْبِيرِ" 

وهو شعار المسلمين في الحرب والسفر كلما صعدوا مكاناً مرتفعاً أو نزلوا كبروا؛ ليشعروا أنفسهم بعظمة الخالق وكبريائه، وليظهروا التواضع والخضوع له – جل شأنه – حيثما كانوا.

وكانوا يكثرون مع التكبير من (لا إله إلا الله)، ويرفعون بها أصواتهم؟ 

ولما ارتفعت أصواتهم جداً بالتكبير والتهليل أشفق عليهم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهو أرحم بهم من أنفسهم على أنفسهم – فقال: "ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ"، بكسر همزة الوصل فتح الباء أي: أرفقوا بها بخفض أصواتكم.

وذكرهم بأن الله – عز وجل – يسمع السر وأخفى، وهو معهم أينما كانوا، يعلم بأحوالهم الظاهرة والباطنة.

واعلم أن المعية معيتان:-معية عامة: تشمل جميع الخلق، فهو معهم بعلمه وتدبيره، وقضائه وقدره، لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء.

وهي ما عناه الله بقوله في سورة الحديد: 

{ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ }

(آية 4)

ومعية خاصة بالمؤمنين: وهي معية توفيق وعون ونصر وتأييد، وعفو وصفح، ومغفرة ورحمة، كما جاء في قوله تعالى: 

{ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ } 

(سورة النحل: 128)

وقوله – صلى الله عليه وسلم – في هذا الحديث: "وَهُوَ مَعَكُمْ"، تحتمل المعنيين، فهو – جل شأنه – منهم بعلمه وعونه؛ لأنهم من خيار الأتقياء المحسنين، وقد جاهدوا في الله حق جهاده، وباعوا أنفسهم له، وكانوا من خيرة جنده في الباساء والضراء، رضوان الله عليهم أجمعين.

قال أبو موسى: 

"وَأَنَا خَلْفَ دَابَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمِعَنِي وَأَنَا أَقُولُ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ".

إنه يصف حاله عندما قال الرسول – صلى الله عليه وسلم – للناس:  

"ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ" 

للدلالة على أن ما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم – حق لا يماري فيه، فحكاية الحال تؤكد روايته وتقويها، فيذكرها وكأنه يستحضرها في قلبه ويعايشها.ولعله كان يقول: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ؛ تأثراً بما وقع من أصحابه من رفع أصواتهم والتهليل، وهو الأمر الذي جعل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يُخفض من أصواتهم، وبعيد إليهم هدوءهم، وسكينتهم.