ويحك أنه كلام الله
فأين ينتهي هذا القرآن إذن؟ إنه لا ينتهي أبدا. ويحك يا صاح! أليس تعلم أن كلام المتكلم صفة من صفاته؟ ومتى كانت صفات الله لها نهاية؟ وهو جل جلاله، وعزّ سلطانه رب العالمين، المحيط بكل شيء. فكيف إذن بمن تَخَلَّقَ بهذا القرآن وتحقق به في نفسه ووجدانه، وصار جزءا حقيقيا من حركة القرآن في الفعل الوجودي، وهذا القرآن تلك صفته وحقيقته؟ أوَليس حقا قد صار جزءا من القَدَرِ الإلهي، الذي لا يتخلف موعده أبدا؟ أوَليس قد صار جنديا بالفعل من جنود الله، ممدودا بسرِّ ملكوت الله في السماء وفي الأرض؟ يحمل وسام النصر المبين من اليقين إلى التمكين. وهذا عربونه بين يديه الآن:
﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾
(الصافات: 171-173).
وتَدبرْ كيف أن "كلمته" تعالى هي فعله القَدَريّ النافذ حتما، الواقع أبدا. ذلك أن كلام الله فوق كل كلام، إن كلامه تعالى خَلقٌ وتكوينٌ وإنشاء. إنه صُنعٌ فِعْليٌّ للموجودات والكائنات جميعا.. من المفاهيم إلى الذوات، ومن الذراتِ إلى المجرات. وتأمل قوله تعالى:
﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾
(يس:82-83).
إنه -جل وعلا- يأمر العدم فيكون وجودا، فيكفي أن تتعلق إرادته بوجود الشيء ليوجد بالفعل.
وإنما كل فعله تعالى في الخلق والصنع والتكوين مجرد "كلمة"، إنها فعل الأمر: ﴿كُنْ﴾ الآمر بالتكوُّن والتكوين، والتجلي من العدم إلى الوجود.