وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي
وبقيت الصلاة في الإسلام كما كانت في الأديان السابقة أم العبادات. ولذلك خصها الله بالذكر هنا رمزا لكل خضوع وخشوع
﴿وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي﴾
وما كل أركان الإسلام في الجوهر - مهما تعددت أشكالها- وهيآتها إلا "صلاة"! ولذلك قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم:
"رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة"
(رواه أحمد).
فكأنه عليه الصلاة والسلام يقول الإسلام هو الصلاة، لما في معنى الصلاة من جمع لكل مواجيد التعبد والخضوع لله رب العالمين، وذلك هو المقتضى العملي لكلمة الإخلاص "لا إله إلا الله". والترجمة الفعلية للأمر الملكي: ﴿فَاعْبُدْنِي﴾ الذي جاء تفسيره وبيانه بعدُ مباشرة
﴿وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي﴾.
فيا لجمال "الذِّكْرِ" في سياق الصلاة! ذلك التعبير المليء بالإيحاءات الوجدانية، التي تحدو الأحبة بالتراتيل الملتهبة شوقا لديار المحبوب.
وذكر الله هو مقام الأدب مع الله.. فالعبد الحقيقي هو الذي لا يفتأ يذكر سيده فلا ينساه.. وهل ينساه حقا؟ إذن ليس بعبد، وإنما العبد من كان دائم الحضور بباب الخدمة، لا يفتأ واقفا بأدب العبودية إلى جانب الأعتاب العليا.. فأنى ينسى مولاه؟ أن تصلي يعني أن تكون دائم الذكر لله.. ولذلك كانت الصلاة أرقى تعبير عن حضور القلب مع الله: ﴿وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي﴾. تلك معان كلها تفيض عن شهادة أن "لا إله إلا الله".
كلمة الإخلاص وعنوان الإسلام لله رب العالمين. وهي الكلمة التي يفزع إليها المؤمن من الغم والكرب، تماما كما يفزع الصبي إلى أمه عندما يلم به مكروه. أتدرون لماذا؟ لأنها ببساطة أقرب الناس إلى وجدانه، ولو لم تكن كذلك لما نادى صبي في الدنيا إذا استغاث "أماه!". إلا أن العبد الذي سكن قصد الرب الأعلى قلبه، وامتلك عليه وجدانه لا يفزع إلا إليه، بمقتضى "لا إله إلا الله".