ائْتِ المَعرُوفَ وَاجْتَنِب المُنْكَر
عن حرملة بن عبد الله بن أوس – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – قَالَ:
قُلْتُ: يَا رَسُول الله، مَا تَأمُرنِي أَعمَل؟ قال: "يَا حرملة، ائْتِ المَعرُوفَ، وَاجْتَنِب المُنْكَر، وَانْظُر مَا يُعْجِبُ أُذُنَكَ أَنْ يَقُولَ لَكَ القَومُ إِذَّا قُمْتَ مِنْ عِنْدَهم، فَآتِهِ، وَانْظُرِ الذي تَكْرَهُ أَنْ يَقُولَ لَكَ القَومُ إَذَّا قُمْتَ مِنْ عَنْدِهِمْ، فاجتْنِبه".
ومعنى قوله: "ائْت المَعرُوفَ" اعرفه وافعله، وداوم عليه وعظمه في نفسك، وأمر به غيرك، كل هذه المعاني يحملها الأمر بالإتيان.
والمعروف: ما استحسنه الشرع واستحسنه العقل تبعاً له، وأقرته الطباع السليمة، وشكنت إليه النفوس المستقيمة، واطمأنت به القلوب المؤمنة.
وأما قوله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –: "وَاجْتَنِب المُنْكَر" فمعناه: خذ لنفسك جانباً بعيداً عنه، وكن منه على حذر. والمجانبة هي المباعدة، والاجتناب لزوم المجانبة والمداومة عليها.
وقوله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –: "وَانْظُرِ الذي تَكْرَهُ أَنْ يَقُولَ لَكَ القَومُ إَذَّا قُمْتَ مِنْ عَنْدِهِمْ، فاجتْنِبه" – توكيد لقوله: "وَانْظُر مَا يُعْجِبُ أُذُنَكَ...إلخ"،
وهو توكيد بذكر المقابل، وهو ما يسمى بالطباق، كمقابلة المعروف للمنكر، ومقابلة الحسن للقبيح، ومقابلة الحب للكره.
والخلاصة: أن الحكيم من الناس من وعظ نفسه بنفسه، واعتبر بغيره، واستعمل فكره فيما يرى ويسمع، فإن كان ما يسمعه أو يراه خيراً، فليقدم عليه إن شاء، وإن كان غير ذلك، فليحجم عنه؛ فإن الخير كل الخير في معرفة مواطن الخير والشر، ومناهج الإقدام والإحجام، فلا يأتي أمراً إلا إذا عرف ما يحمله على إتيانه.
وأعظم ما يؤتاه المرء بعد الإيمان حكمة يضع بها الأمور في موضعها ويلزم بها السداد في أقواله وأفعاله.