هل أقتحمت السنة حواجز الأمور الغيبية؟
من الأمور القادحة في صدق السُّنَّة وصحتها عند منكريها المعاصرين، ما فيها من أحاديث تتحدث عن الأمور الغيبية وهذا – عندهم – لا يصح، لأن النبي صلى الله عليه وسلم بشر والبشر لا يعلمون الغيب؟
إن علم ما في الغيب مقصور على الله وحده، وإن القرآن أمر النبي أن يعلن للناس أنه لا يعلم الغيب، إذن فوجود أحاديث في صحاح كتب السُّنَّة، كالبخاري ومسلم، تتحدث عن أمور غيبية، كأحاديث نعيم القبر وعذابه، وأهوال القيامة وصفة الجنة والنار، وما حدث به النبي في حياته عن أمور ستحدث بعده في الحياة الدنيا، أو ما حدث عن أمور وقعت في مكان غير المكان الذي هو فيه، كمقتل أحد زعماء الفرس، وما جرى على هذا المنوال كل هذه علامات على أن السُّنَّة المروية في الكتب الآن، لا تصح نسبتها إلى الرسول، وإن استوفت شروط الصحة التي تواطأ عليها علماء الحديث؟!.
مسئولية الجهل وراء هذه الشبهة تعلن عن نفسها بصوت عالٍ، ولندع مسئولية العناد جانباً الآن. والجهل – هنا – مركب، وهو داء عياء. فهم أولاً جاهلون بمنزلة رسل الله، وفي مقدمتهم خاتم النبيين. وهم ثانياً جاهلون بالقرآن ومقاصده وقيمه ومبادئه.
وهم ثالثاً جاهلون بالسنة من ألفها إلى يائها. وهم رابعاً جاهلون بأنهم جاهلون.
وإذا اجتمعت ضروب الجهل هذه في أناس، فالصمت خير لهم من الكلام، والموت أستر لهم من الحياة.
فمحمد صلى الله عليه وسلم لم يكن أول رسول يمزق الله له حواجز الزمان والمكان، ويطلعه على بعض الغيوب التي لم يكن ليعلمها لولا فتح الله عليه بها.
ألم يخبرنا القرآن أن الله أطلع يوسف عليه السلام، وهو غلام، حين ألقاه إخوته في الجب ليتخلصوا منه ويصفو لهم قلب أبيهم ووجهه؟
ثم ألم يقرأوا أن الله من على يوسف مرة أخرى إذا أطلعه على غيب زماني قبل أن يقع بعشران السنين، أنبأه به عن طريق الرؤيا الصادقة.
ثم ألم يخرق الله ليعقوب عليه السلام أستار الغيب المكاني فنقل إليه ريح (رائحة) ولده يوسف من مصر إلى الشام حتى لكأنهما يتعانقان في مكان واحد.
ولم يقف عطاء الله الإعجازي على يوسف وأبيه، بل كان لأم موسى عليه السلام – منه نصيب، فقد أخبرها بأنه سيرده إليها، ويجعله رسولاً، وهذا غيب زماني كما ترى.
وكذلك صنع الله عز وجل مع رسوله الكريم عيسى بن مريم عليه السلام، وتحدث بذلك عيسى باعتباره آية من آيات الرسالة، التي كرمه الله بها إلى بني إسرائيل.
إن الرسل لا يملكون الإطلاع على الغيب بذاوتهم، وإنما يمن عليهم علام الغيوب بما يشاء هو لا بما يشاءون هم.
وقد أعلن الله في كتابه أنه وحده هو عالم الغيب وفي الوقت نفسه أعلن أنه يُطلع من يشاء من رسله على أشياء من الغيب بمقتضى إرادته وحكمته، وإذا أطلع بعض رسله على بعض الغيوب فليس معناه أن هؤلاء الرسل صاروا شركاء لله في علم الغيب، وإنما هو فضل الله يؤتيه من يشاء من عباده.