كيف تذكر الله؟
يكون لك انطلاق حقيقي إن لم تحقق هذا الأمر أولاً، وهو جواب: كيف يكون الذكر؟ ما طبيعته؟ ما مادته؟ ما ظروفه؟ ما مسلكه؟
ذكر الله عبارة عن غذاء تعبدي تنتفع به النفس، وتقوى على السير إليه تعالى. وبدونه قطعاً لا يكون شيء! لا سير ولا وصول! وإنما أعمال الإسلام كلها ذكر: بدءا بالإقرار بالشهادتين حتى الصلاة والصيام والزكاة والحج وما تفرع عنها جميعاَ من صالح الأعمال، سواء في ذلك الواجبات والنوافل. وعلى هذا يحمل قوله تعالى
{وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَٰنِ نُقَيِّضْ لَهُۥ شَيْطَٰنًا فَهُوَ لَهُۥ قَرِينٌ}
(الزخرف: 36).
وقوله:
{وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُۥ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ أَعْمَىٰ قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِىٓ أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ ءَايَٰتُنَا فَنَسِيتَهَا ۖ وَكَذَٰلِكَ ٱلْيَوْمَ تُنسَىٰ}
(طه: 124-126).
فالذكر هنا هو الإيمان والإسلام. وإنما سمي ذكراً: لأنه إقرار بما عهد الله إلى بني آدم في عالم الدر من التوحيد، وبما طبع عليه فطرتهم من الإيمان السابق إلى النفس ابتداء. قال تعالى:
{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنۢ بَنِىٓ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَآ ۛ أَن تَقُولُوا يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَٰفِلِينَ}
(الأعراف: 172).
وقال سبحانه
{أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَٰبَنِىٓ ءَادَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا ٱلشَّيْطَٰنَ ۖ إِنَّهُۥ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ وَأَنِ ٱعْبُدُونِى ۚ هَٰذَا صِرَٰطٌ مُّسْتَقِيمٌ}
(يس: 60ـ61).
وبهذا المعنى لم يكن الدين كله إلا (ذكراً) ولم تكن مهمة الرسل إلا (تذكيراً)، تذكيراً بالعهد الأول، الذي أخذه الله على بني آدم في الوجود النفسي من عالم الغيب. وبهذا المعنى أيضاً لم يكن الرسول ـ أي رسول ـ إلا (مذكراً)! ولذلك قال تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم بأسلوب الحصر هذا:
{فَذَكِّرْ إِنَّمَآ أَنتَ مُذَكِّرٌ}
(الغاشية: 21).