لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ رَهْبَةُ النَّاسِ أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"أَلَا لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ رَهْبَةُ النَّاسِ أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ إِذَا رَآهُ أَوْ شَهِدَهُ؛ فَإِنَّهُ لَا يُقَرِّبُ أَجَلاً، وَلَا يُبَاعِدُ مِنْ رِزْقٍ أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ أَوْ يُذَكِّرَ بِعَظِيمٍ".
المؤمن الحق من يعرف الحق ويعرف أهله، فينصره وينصر أهله، ويدافع عنه حيثما كان، ويدعو إليه في ليله ونهاره، ويجمع قلبه عليه في حله وترحاله، ويعرف الباطل باطلاً فيجتنبه، ويدعو الناس إلى اجتنابه ويحذرهم مغبته في الدنيا وعاقبته في الآخرة، فالحق أحق أن يتبع، وليس للباطل مع الحق موضع، وليس للمبطلين على أهل الحق سبيل؛ فأهل الحق منصورون في كل مكان وزمان وإن اعترتهم في سبيل النصر عقبات وعراقيل.
وهذه الوصية تدعو أهل الحق إلى أن يقولوا الحق ولو كان مُراً، وأن يشهدوا بما عملوا دون رهبة من أحد أو خوف من غرم، أو طمع في غنم، لعظيم ثقتهم بربهم وحسن توكلهم عليه، وإيمانهم ورضاهم بقضائه وقدره.
قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"أَلَا لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ رَهْبَةُ النَّاسِ أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ إِذَا رَآهُ أَوْ شَهِدَهُ".
معناه: لا يحولن حائل بينه وبين الإدلاء برأيه في قضية من القضايا، أو مسألة من المسائل العلمية – مهما كان صغيراً في السن أو قليلاً في المال أو مغموراً في النسب؛ فإن لصاحب الحق مقالاً، والمسلم الحق هو الذي ينطلق بقوة الحق إلى إحقاق الحق وإبطال، دون أن يرهب الناس؛ لأن من خاف من الله لا يخاف من الناس.
وإذا دعى إلى الشهادة أتى بها على وجهها من غير إلتواء ولا زيادة ولا نقص.
ومرارة الحق تصحبها حلاوة النصر على النفس الأمارة بالسوء، والشيطان الذي يأمر بالفحشاء والمنكر، والدنيا التي تغر وتمر، والهوى الذي يُعمى ويُصم.
والشعور بحلاوة النصر ثواب دنيوي، وفي الآخرة عظيم الأجر في جنة عرضها السماوات والأرض.
والويل لمن يرغب في حطام الدنيا ويفوت على نفسه هذا الثواب المزدوج، وهو يعلم أن الدنيا ظل زائل وعارية مستردة، وأنه ليس للإنسان فيها إلا ما أكل فأفنى وما لبس فأبلى وما تصدق فأبقى.
والمؤمن الحق هو الذي يحصر همته في إحقاق الحق ولا يبالي أرضي الناس أم سخطوا، ولا يخشى منهم صولة ولا جولة ولا سطوة؛ لأنه قد آمن بالقدر إيماناً لا يخالجه شك، فجعل مبلغ همه نصرة الحق في أي موطن وبأي سلاح دون أن يحدث نفسه بما يعوقه عن أداء واجبه والدفاع عن دينه وعن حرماته وحرمات المسلمين.