لا تنسى حظ الليل من القرآن الكريم
فاجعل جزءاً من ورد القرآن صلاة بليل. وإن نشط سيرك فاجعله كله قياماً! ذلك خير. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عباس: ("نعم الرجل عبدالله لو كان يصلي من الليل". قال سالم: فكان عبدالله، بعد ذلك، لا ينام من الليل إلا قليلاً). وذلك مسلك الربانيين. فانظر إلى هذا المشهد الجميل من قول الله تعالى في وصف المؤمنين من أهل الكتاب الذين ادركوا الإسلام فأسلموا:
{ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون}
(آل عمران: 113).
انظر كيف أناروا لياليهم الخضراء بتلاوة القرآن صلاة بليل! وانخرطوا في حركة سير إلى الله عجيبة تخترق الآفاق، وتستدر من المحبة أونوار الأشواق، في خلوة القرآن! ةقال الرب الكريم في وصف أصحاب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عامة
{محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم. تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً. سيماهم في وجوهم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة. ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطاه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليعيظ بهم الكفار. وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجراً عظيماً}
(الفتح:29).
فعجباً لمن يبصر هذا الجمال ولا يلتحق بالركب! عجباً كيف تبطئ يا أخي والسير قد انطلق!
أما أهل العزائم ممن شدوا الرحال، فقد أذلجوا عبر منازل السري إلى ديار الحبيب! وأناوا مسالك الليالي بأقمار القرآن، مسافرين إلى الرحمن ركوعاً وسجوداً، يحدوهم الخوف ألا يكونوا من الواصلين، أو ألا يكونوا من المفردين السابقين! قال المصطفى صلى الله عليه وسلم يصفهم في حديث يقيض بالأنس والجمال: من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل! أل إن سلعة الله غالية! ألا إن سلعة الله الجنة والإدلاج: هو السير بليل، أو السقر الليلي، من الدلجة: وهي الظلمة. والمقصود طبعاً قيام الليل. شبهه بالإدلاج؛ لما فيه من معنى السفر الروحي، وتحليق النفس في فضاءات السير إلى الله.